هدى توفيق
جاهين مات .. فعلا
ابن عمتي عفاف، التي هي بمثابة أم أخري، منحها الله لي، تمنحنى الحنان، والدلع والخفة في حضرتها الطاغ بالدفء والحب الذي لا مثيل له، ربما أحيانًا أشعر أنها تفوق حنان أمي، التي تقسو، وتعدل كفة الميزان، حتى لا تميل كفة الميزان عما ترجوه من رعايتي وتربيتي تربية تامة وجيدة من وجهة نظرها.
نعود إلي ابن عمتي عفاف محمد ، الشخصية الكاريزما أو حديث العائلة، والجيران، والأصدقاء، والجميع، منذ الصغر ومحمد معي، سواء في بيت عمتي أكون معه، أو يأتي إلي بيتنا لا نفارق بعضنا كأخ وأخت بحكم الرضاعة حيث شاركته ثدي أمه بعد أن جف ثدي أمي ومرضت من حمى جاءتها بعد ولادتي مباشرة، وعندما شفيت، تركتني جانبا إلي حد ما لما سببته لها من ألم ومرض وتلقفتني عمتي بكل شفقة وشفقة كبيرة، حتى عادت أمي ونزعتني من حضن عمتي ولكن كنت امتلأت وتغذيت من لبنها ورحمتها وحبها الذي اقتسمته مع أخي محمد في الرضاعة، أو جاهين، فأنا أول من أطلق عليه هذا الاسم جاهين أبو دم خفيف وذلك لشبه كبير منه فى الملامح ، وعندما أكد امثوله شاعرنا الكبير صلاح جاهين بكتابة الشعر.. وإلقاءه وسط الأصدقاء، حتى تطور وأصبح يلقيه في المحافل وأماكنه الرسمية، وأصبح له رفقاء في الشعر ودروبه وكون جماعة شعرية وأطلق عليها فجر الشعراء، حينئذ أنا أيضا أحببته وتمنيت أن أكتب شعرا مثله، وأكون من مريدين جاهين، ومن حين إلي آخر تأتيني الجرأة وأكتب عن استحياء دفعني بلكزه عفوية في كتفي وأنا اقرأ خواطري التي كانت عنه:
الأسطورة
يا جارحين الأبرياء
تلفحهم ريح الزوال
تظنون أنهم أموات
لا
الأسطورة لا تموت
منذ أيام.....
وأبي سرد لي حكاية الرجال
عاركم تحمله الأعوام
وهيا، وعاد الرجال من أرضكم
وبأفواههم كلمة ثأر.. ثأر..
أيديهم تحمل جرح العمر.
وسيطكم تحمله ظهورهم
ثقيلاً.. ثقيلا
عبروا بوادي مجهول
وفي العراء كان المحال
سيطكم ثقيل تحمل السنين
بالأمس جاء صوتكم
هيا في المنفي البعيد
وسنين.. وسنين
والسيط يصرخ
علي أرض الغربة
وهنا جاع الصغار
تعوي الأيام
هلك الرجال
وعلي بقايا حلم ساروا
يعانقوا ثأرهم
وبالوادي حصدوا الغلال
وبعض الدموع
بعض التذكار
يحملونه للصغار
في طوقهم للأرض والدار
عاركم يا جارحين الأبرياء
من يحمل سيطكم
هيا علي ظهوركم
قبوركم صرخت لا
تحملكم ريح
تبيعكم ثأر
وعمر ملقي في الرمال
وبسمة علي وجه النهر
تحضن الرجال
فــ لا
لا
الأسطورة لا تموت
ويضحك جاهين ضحكته الأسطورية، ويرفعني من الأرض ويحتضنني بقوة قائلاً بحماس:
ـيا أروبة دا شعر بجد ... جميل حبيبتي . جميل حبيبتي
- صحيح يا جاهين
- ولا يهمك.. لما تموت.. اكتب عنك تاني.. بس موت أنت وتطرق بخفة علي خديه الممتلئين..
ماشي موت بقي يا عم .جاهين .... علشان اكتب براحتى .... ماشى ياابو دم خفيف ....
وذات ليلة كان الجو فيها مخيفا، أرعدت السماء وأبرقت والمطر يهطل بغزارة.. كانت ليلة مرعبة بحق من ليالي الشتاء النادرة الحدوث من شتاء لآخر.. وإذا بأحدهم يطرق الباب ويخبرنا أن جاهين مات في حادث وهو يرتاد على موتوسيكل صديقه، لحضور زفاف أحد الأصدقاء في الفيوم في مغامرة عفوية، التقطها القدر بعبثية، وخطفت روحه الطيبة، وضحكته الدائمة.
مات جاهين فعلا.. لكن الحدث الأكثر أسفًا، ويؤرق منامي، ويشعرني بذنب فادح أنني لم أستطع أن أكتب عنه مرة أخري بعد موته كما أخبرته ودعوته بمزاح للموت فأنا أعتقد أن الحنث بالوعد، وعدم الوفاء به من الكبائر التي لا تغتفر بينما كلماته التى أحفظها فى قلبى ترنو وتبكينى من حين لأخر كوخز مسمار فى نعش لا يفارقنى مطلقا وهو يقول لى بضحك وخفة ورشاقة لا تمحى من ذاكرتى وتشعرنى بألم الأنكسار الذى لا يلتئم مهما مرت السنوات
بحبك ياذوبة يابنت اللذين
يارافضة التبرج ياقالعة الحجاب
ياسفة المطاعم ياوكلة الكتب
يا هبلة ياقرعة ياجزمة وشراب .
يابنت القديمة وغاوية ضرب الشبان
ياقد السفينة وغاوية خيمة وسف التراب
بحبك لأنك أروبة ودخينة ولذيذة ومجنونة
بحبك ياذوبة يابنت اللذين